الإثنين
05.05.2025
الاستثمار في المستقبل: مقالة تحليلية قبيل انطلاق "منتدى الاستثمار بالجيل القادم من قادة الضيافة"
 

بقلم جوناثان ورسلي، رئيس مجلس إدارة "ذا بينش"، الجهة المنظمة للمنتدى في المملكة العربية السعودية

ينظم "منتدى الاستثمار بالجيل القادم" في إطار فعاليات قمة مستقبل الضيافة في المملكة العربية السعودية، ليقدم مساحة تجمع كبار القادة والمسؤولين لمعالجة القضايا الأكثر إلحاحًا في مجالات التعليم والتدريب والاحتفاظ بالمواهب في قطاع الضيافة في المملكة العربية السعودية.

ومع التوقعات بتوفر مليون فرصة عمل جديدة في قطاع السياحة بحلول عام 2030، يواجه قطاع الضيافة في المملكة تحديات محورية. أولًا، هناك فجوات واضحة في المهارات ضمن مجالات متخصصة مثل إدارة الضيافة، والمهارات الرقمية، والتدريب المهني في السياحة. ثانيًا، لا تتجاوز نسبة النساء العاملات في هذا القطاع 8.1%. ثالثًا، لا يزال معدل بطالة الشباب في المملكة يُقدَّر بنحو 16%، في ظل محدودية المسارات المهنية المتاحة لهم ضمن قطاع الضيافة.

ومع اقتراب موعد انعقاد قمة مستقبل الضيافة في المملكة العربية السعودية، طلبت من قادة شركة أمسا للضيافة، وشركة بركة للاستثمار والتطوير العقاري، وكلية الرياض للسياحة والضيافة، وشركة البحر الأحمر العالمية، والدكتورة عبير عطا الله العامري، خبيرة تطوير المهارات وتحسين المواهب، تقديم آرائهم بشأن التحديات، والأهداف، والأساليب المتّبعة في الاستثمار في الجيل القادم من الكوادر الوطنية المتخصصة في قطاع الضيافة.

  • ما مدى أهمية الاستثمار في التعليم المتخصص في مجال الضيافة لتنمية الجيل القادم من القادة؟ وما أبرز التحديات التي يواجهها القطاع في تطوير استراتيجيات وبرامج فعّالة لهذا الغرض؟

ترى الدكتورة عبير عطا الله العامري أنّ الاستثمار في تعليم الضيافة يمثل ركيزة أساسية في تنمية قادة المستقبل، عبر تزويدهم بالمهارات والمعارف الجوهرية وتكوين عقلية مهنية متكاملة. وتشمل أبرز التحديات في هذا المجال سد الفجوة بين المناهج الأكاديمية واحتياجات القطاع العملية، واستقطاب الطلبة في ظل التصوّرات السائدة حول ساعات العمل الطويلة وانخفاض الأجور، إضافة إلى تأمين التمويل الكافي لتوفير برامج وموارد تعليمية عالية الجودة.

من جانبه، قال الدكتور فابيان فرينل، الرئيس التنفيذي لكلية الرياض للسياحة والضيافة: "لا يمكن بناء استراتيجية سياحية فعّالة من دون استراتيجية موازية لتأهيل الكفاءات. فالمشكلة لا تكمن في تصميم البرامج، بل في جعل هذا القطاع أكثر جذبًا وفاعلية. تبدأ المعادلة باستقطاب العناصر المتميزة، وتقديم التدريب الملائم وفق أساليب مدروسة، وتوظيف التكنولوجيا في إنتاج محتوى معرفي يرتبط مباشرة بواقع القطاع. ثم يأتي دور الحفاظ على الكفاءات عبر توفير فرص عمل مجزية وضمان استمرارية التطوير المهني خلال فترة العمل. تمثّل عملية استقطاب الكفاءات، وتوفير التدريب الملائم، وضمان استمرارية التطوير المهني، منظومة مترابطة تشكّل أساسًا ضروريًا لبناء قطاع ضيافة قادر على النمو والاستدامة".

وقالت ليلى العامري، مديرة التعليم في شركة البحر الأحمر العالمية: "في ظل النمو المتسارع الذي يشهده قطاع الضيافة في المملكة، يُعدّ بناء قاعدة قوية من الكفاءات الوطنية أحد أبرز التحديات. وللتعامل مع هذا التحدي، أطلقنا سلسلة من المبادرات التدريبية الهادفة إلى تمكين الشباب السعودي من اكتساب المهارات الضرورية للنجاح المهني، وقد أثمرت هذه الجهود عن توظيف عدد من الخريجين ضمن كوادر الشركة. وتشمل هذه البرامج التدريب الأكاديمي والمهني، إلى جانب التدريب أثناء العمل، حيث استفاد منها 1,995 طالبًا منذ عام 2019".

يواجه قادة القطاع في كثير من الأحيان صعوبة في تحديد العوائق الفعلية التي تحول دون استقطاب مواهب الجيل الجديد والحفاظ عليها. ويرى إبراهيم القصاب، مدير المشاريع في شركة البركة للاستثمار والتطوير العقاري، أن جوهر هذا التحدي يكمن في التعامل مع مسألة استقطاب الكفاءات باعتبارها قضية توظيف تقليدية، لا بوصفها مسألة ثقافية أعمق. ويقول: "يركز كثير من القادة على الحوافز، ويتغافلون عن الاحتياجات الفكرية والعاطفية الأعمق لجيل اليوم. فالمهنيون الشباب لا يبحثون عن وظيفة فحسب، بل ينشدون غاية وملكية وانسجامًا مع القيم. وفي البركة، أعدنا تعريف هذا التحدي عبر ترسيخ أحد مبادئنا الجوهرية: تلبية احتياجات الحالمين. ونسعى إلى ترسيخ هذه الرؤية في صميم هويتنا المؤسسية من خلال إشراك المواهب في تصميم فضاءات العمل والمجتمعات التي نبنيها. فعندما يرى الأفراد انعكاسًا لهوياتهم وتطلعاتهم في البيئات التي يسهمون في تشكيلها، لا يكون بقاؤهم بدافع الالتزام بل بدافع الشغف."

  • كيف يمكن لقطاع الضيافة استقطاب الكفاءات اللازمة وتحفيزها على الاستمرار، بما يضمن تحويل رؤية 2030 إلى واقع ملموس؟

قالت الدكتورة عبير عطا الله العامري: "إن استقطاب الكفاءات والاحتفاظ بها في سياق تحقيق رؤية 2030 يقتضي من القطاع تقديم حوافز وتعويضات تنافسية، وتعزيز ثقافة عمل إيجابية تتيح فرصًا حقيقية للنمو والتطوير المهني، إلى جانب الترويج للضيافة كمسار وظيفي واعد ومجزٍ. كما أن إبراز إسهام القطاع في تحقيق الأهداف الوطنية، وتوفير برامج تدريبية متخصصة، يعد أمراً محورياً في هذا المسار".

وأضافت ليلى العامري: "إن استقطاب الكفاءات والاحتفاظ بها يتجاوز مسألة تقديم رواتب تنافسية؛ فالموظفون بحاجة إلى الشعور بالمسؤولية والانتماء إلى هدف أسمى. وفي حالتنا، يتمثّل ذلك في ترسيخ وعي الموظف بقيمة دوره في رسم مستقبل المملكة، والمساهمة في تنويع اقتصادها، وترسيخ مكانتها على خريطة السياحة العالمية".

ويرى الدكتور فابيان فرينل أن للقطاع دورًا محوريًا في تشكيل مستقبل الضيافة، ويقول: "يتعين على القطاع أن يحفز الطموحات، ويوصل الرسائل المناسبة، وأن يدير توقعات الشباب، ويرسخ عقلية ريادة الأعمال داخل بيئة العمل المؤسسي. وأضاف: "أعتقد أن المملكة العربية السعودية تمتلك ما يكفي من الذكاء والخبرة والموارد المالية لتطبيق استراتيجية تعليمية وطنية شاملة تُسهم في تحقيق مستهدفاتها. ويتطلب ذلك التركيز على بناء القدرات، وتنفيذ البرامج والتدريب بكفاءة وفي وقت وجيز. لا أرى ما يمنع تحقيق ذلك، متى ما توافرت الإرادة والكفاءة المؤسسية".

  • إلى أي مدى يمكن أن تسهم الشراكات الاستراتيجية بين الأكاديميات الخاصة، والهيئات الحكومية، والجامعات في إحداث نقلة نوعية في تنمية رأس المال البشري بقطاعي السياحة والضيافة في المملكة العربية السعودية؟

قال معين سرحان، الرئيس التنفيذي لدى أمسا للضيافة، إن أكاديمية أمسا للضيافة، وقّعت منذ انطلاقتها اتفاقيات تعاون مع نخبة من الجامعات والكليات في المملكة، من أبرزها شراكتها مع جامعة الملك خالد، التي تُمكّن الخريجين الجدد من تعزيز معارفهم الأكاديمية من خلال خبرات عملية مباشرة. وتخضع الدفعة الأولى حاليًا لتدريب ميداني في فندق ميركيور خميس مشيط الجديد، حيث شارك المتدربون في مراحل تشغيلية حيوية تسبق الافتتاح الرسمي للفندق. وأضاف أن أكاديمية أمسا وسّعت نطاق تعاونها ليشمل جامعتَي الأميرة نورة بنت عبد الرحمن والملك سعود، مشيرًا إلى استقبال الأكاديمية مؤخرًا وكيل المحافظ لسياسات التدريب والجودة للاطلاع على البرامج الجارية، والتي تهدف إلى تأهيل الطلاب وتمكينهم من الانطلاق في مسارات مهنية ناجحة.

وأضافت ليلى العامري: "تعد الشراكات الاستراتيجية عنصراً أساسياً في تبادل المعرفة وتعزيز الابتكار. وقد صُمِّمت برامج المنح الدراسية التي أطلقناها بالشراكة مع جامعة الأمير مقرن والمدرسة الفندقية في لوزان، بهدف تزويد الشباب السعودي بمهارات متقدمة في إدارة الضيافة على المستوى الدولي. ومن خلال الاستفادة من الخبرات التعليمية والتقنية لدى المؤسستين، نُسهم في إعداد جيل من القادة القادرين على الإسهام الفاعل في تحقيق مستهدفات رؤية 2030".

  • ما الجهود التي تبذلونها في مجال الاستثمار في التعليم، لا سيما فيما يخص تأهيل الكوادر الوطنية السعودية لتولي أدوار فعالة في قطاعي الضيافة والسياحة؟

قال الدكتور فابيان فرينل: "تتمثل رسالة كلية الرياض للسياحة والضيافة، إلى جانب الشركات التابعة لها، في خدمة الوطن وتمكين الأجيال الشابة، ودعم جهود المملكة العربية السعودية في توجيه جزء من اقتصادها نحو قطاع السياحة. ونسعى من خلال ذلك إلى تقديم تجارب متميزة للعملاء تسهم في تعزيز ولاء الزوّار وتكرار زياراتهم، بما يضمن مستقبلاً واعدًا لملايين الشباب السعوديين الذين سيزداد شعورهم بالاعتزاز مع تطور هذه الصناعة ونموها."

تملك شركة أمسا للضيافة أكاديمية متخصصة في التدريب المهني تُعرف باسم "أكاديمية أمسا للضيافة". وقال معين سرحان، الرئيس التنفيذي للشركة: "أطلقنا الأكاديمية العام الماضي بالتعاون مع مدرسة باريس الفندقية الفاخرة، التي تُعد من أبرز المؤسسات العالمية في هذا المجال. وتتمثل مهمتنا في تمكين السعوديين الطموحين من أصحاب التوجهات الفندقية من تطوير المهارات التي تؤهلهم للتميز في قطاع الضيافة. الأكاديمية متاحة للجميع، وليست حصرًا على من يتطلعون للعمل في الفنادق التي تديرها أمسا للضيافة."

وقالت ليلى العامري: "يمثّل الاستثمار في الكوادر البشرية عنصراً أساسياً في رؤيتنا للسياحة المتجددة. وفي هذا الإطار، يُسجّل برنامجنا للخريجين المتميزين – في نسخته السادسة – الخريجين السعوديين ضمن منظومة متكاملة من برامج التوظيف والتدريب. كما أطلقنا مجموعة من برامج التعليم المهني، تهدف إلى تزويد الكفاءات الوطنية بالمهارات التي يحتاجها قطاع السياحة السعودي في مرحلة نموه المتسارع. غايتنا هي تمكين الشباب السعودي، من الجنسين، ليتميّزوا ويسهموا بفعالية في تحقيق مستهدفات رؤية 2030".

من جهته، قال إبراهيم القصاب: "بوسع قادة القطاع بناء ثقافة مؤسسية تُشجّع على إعادة النظر في النماذج التقليدية لتعليم الضيافة وإشراك المواهب بشكل فعّال. فالابتكار الحقيقي لا يصدر عن عقول تُفكّر بالطريقة ذاتها، بل عن حوارات منفتحة وصادقة، لا سيما بين الأجيال. وقد تعلمتُ أن إشراك الأصوات الشابة لا يكفي، بل لا بد من تمكينها للمساهمة في رسم ملامح المستقبل. على القادة أن يفتحوا المجال للأفكار الجديدة، ويحتفوا بتنوع المهارات، ويعزّزوا التكامل بين مختلف التخصصات. نحرص في "بركة"، نحرص على جمع المبدعين والمعلمين والمطورين في بيئة واحدة، حيث تنشأ الأفكار التي تحمل قيمة ومعنى. وتحدّي الأنظمة لا يعني كسرها، بل يعني البحث عن سُبل لتطويرها وتحسينها."

تعقد قمة مستقبل الضيافة في المملكة العربية السعودية خلال الفترة من 11 إلى 13 مايو 2025 في فندق ماندارين أورينتال الفيصلية بالرياض. ويمثل "منتدى الاستثمار في الجيل القادم"، الذي يُنظَّم في اليوم الأول من القمة، منصة مخصصة لمناقشة التحديات المستقبلية التي تواجه قطاع الفنادق على مختلف المستويات، من خلال بناء مجتمع متكامل يضم الأكاديميين وخبراء القطاع، والعمل على تمهيد مسارات النمو المهني، وسد الفجوات المهارية، وتمكين الكفاءات الوطنية، وتعزيز التعاون البنّاء بين القطاعين العام والخاص.

 


الأكثر شيوعاً في المنتدى